الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن انتقاض الثغور الغربية ورجوعها إلى دعوة الموحدين: فلما خلصت الولاية بين السلطان والطاغية وعظم عنه الاتحاف والمهاداة وبلغه خبر السلطان وتملكه أفريقية أطلق ابنه تاشفين وبعث معه هؤلاء الزعماء للتهنئة وفيهم أيضا وفد من أهل مالي ملوك السودان بالمغرب أوفدهم ملكهم منسا سليمان للتهنئة بسلطان أفريقية وكان معهم أيضا يوسف بن مزبي عامل الزاب وأميره قدم بجباية عمله واتصل به خبر الركاب بقسنطينة فلحق بهم مؤثرا صحابتهم إلى سدة السلطان وتوافت هؤلاء الوفود جميعا بقسنطينة واعصوصبوا على ولد السلطان. فلما وصل خبر النكبة اشرأب الغوغاء من أهل البلد إلى الثورة وتحلبت شفاههم إن ما بأيديهم من أموال الجباية وأحوال الثورة فنقموا عليهم سوء الملكة ودس مشيختهم إلى المولى الفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى بمكانه من بونة وقد كشف القناع في الانتزاء على عمله والدعاء لنفسه فخطبوه للأمر واستحثوه للقدوم فأغذ السير وتسامع بخبره أولياء السلطان فخشي ابن مزني على نفسه وخرج إلى معسكره بحلة أولاد يعقوب ابن علي أمير الزواودة ولجأ ابن السلطان وأولياؤه إلى القصبة ومكر بهم أهل البلد في الدفاع دونهم حتى إذا أطلت رايات المولى الفضل وثبوا بهم وحجزوهم إلى القصبة وأحاطوا بها حتى استنزلوهم على أمان عقدوه لهم ولحقوا بحلة يعقوب فعسكروا بها بعد أن نقض أهل البلاد عهدهم في ذات يدهم فاستصفوه وأشار عليهم ابن مزني باللحاق ببسكرة لتكون ركابهم إلى السلطان فارتحلوا جميعا في جوار يعقوب لما له في تلك الضواحي حتى لحقوا ببسكرة ونزلوا منها على ابن مزني خيرنزل وكفاهم كل شيء يهمهم على طبقاتهم ومقاماتهم وعناية السلطان بمن كان وافدا منهم حتى سار بهم يعقوب بن علي إلى السلطان وأوفدهم عليه في رجب من سنته واتصل الخبر بأهل بجابة بالفعلة التي فعل أهل قسنطينة فساجلوهم في الثورة وكنسوا منازل أولياء السلطان وعماله فاستباحوها واستلبوهم وأخرجوهم من بين ظهرانيهم عراة فلحقوا بالمغرب وطيروا الخبر إلى المولى الفضل واستحثوه للقدوم فقدم عليهم وعقد على قسنطينة وبونة لمن استكفى به من خاصته ورجالات دولته واحتل بجاية لشهر ربيع من سنته. وأعاد ملك سلفه واستوسق أمره بهذه الثغور إلى أن كان من خبره مع السلطان بعد خروجه من بجاية ما نذكره إن شاء الله. .الخبر عن انتزاء أولاد السلطان بالمغرب الأوسط والأقصى ثم استقلال أبي عنان بملك المغرب: وارتحل الأمير أبو عنان إلى المغرب وعقد على تلمسان لعثمان بن جرار وأنزله بالقصر القديم منها حتى كان من أمره مع عثمان بن عبد الرحمن ما ذكرناه في أخبارهم. ولما انتهى إلى وادي الزيتون وشى إليه بالوزير الحسن بن سليمان أنه مضمر الفتك به بتازى تزلفا إلى السلطان ووفاء بطاعته وأنه داخل في ذلك الحافد منصورا صاحب أعمال المغرب بما كان يظهر من طاعة جده فارتاب الأمير أبو عنان به واستظهر واشيه على ذلك بكتابه فلما قرأه تقبض عليه وقتله بالمساء خنقا وأغذ السير إلى المغرب. وبلغ الخبر منصور بن أبي مالك صاحب فاس فزحف للقائه والتقى الجمعان بناحية تازى وبوادي أبي الأجراف فاختل مصاف منصور وانهزمت جموعه ولحق بفاس وانحجر بالبلد الجديد وارتحل الأمير أبو عنان في أثره وتسايل الناس على طبقاتهم إليه وآتوه الطاعة وأناخ بعساكره على البلد الجديد في ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وأخذ بمخنقها وجمع الأيدي والفعلة على الآلات لحصارها ولحين نزوله على البلد الجديد أوعز إلى الوالي بمكانه أن يطلق أولاد أبي العلاء المعتقلين بالقصبة فأطلقهم ولحقوا به فأقاموا معه على حصار البلد الجديد وطال تمرسه بها إلى أن ضاقت أحوالهم واختلفت أهواؤهم ونزع إليه أهل الشوكة منهم ونزع إليهم عثمان بن إدريس بن أبي العلاء فيمن إليه من الحاشية بإذنه له في ذلك سرا ليمكن إليه فدس إليه وواعدوه الثورة بالبلد فثار بها واقتحمها الأمير أبو عنان عليهم ونزل منصور بن أبي مالك على حكه فاعتقله إلى أن قتله بمحبسه واستولى على دار الملك وسائر أعمال المغرب وتسابقت إليه وفود الأمصار للتهنئة بالبيعة. وتمسك أهل سبتة بطاعة السلطان والانقياد لقائدهم عبد الله بن على بن سعيد من طبقة الوزراء حينا ثم توثبوا به وعقدوا على أنفسهم للأمير أبي عنان وقادوا عاملهم إليه وتولى كبر الثورة فيهم زعيمهم الشريف أبو العباس أحمد بن محمد بن رافع من بيت أبي الشريف من آل الحسين كانوا انتقلوا إليه من صقلية واستوسق للأمير أبي عنان ملك المغرب واجتمع إليه قومه من بني مرين للأمر وأقام مع السلطان بتونس وفاء بحقه وحص جناح أبيه عن الكرة على الكعوب الناكثين لعهده الناكبين عن طاعته فأقام بتونس يرجو الأيام ويؤمل الكرة والأطراف تنتقص والخوارج تتجدد إلى أن ارتحل إلى المغرب بعد اليأس كما نذكره إن شاء الله تعالى.
|